بقلم مجدى الجلاد ٢٥/٦/٢٠٠٧ المصرى اليوم بعد دقائق من استخراج بطاقة العضوية الجديدة في مجلس الشوري، وبعد ساعة واحدة من تسميته رئيساً للمجلس.. وبعد يومين من «تعيينه» عضواً بقرار جمهوري.. وبعد ٢٦ سنة من العمل داخل، وفي قلب، نظام مبارك.. خرج علينا السيد صفوت الشريف بتصريح للمحررين البرلمانيين، نشرته جريدة «الأهرام» أمس، يؤكد فيه أنه مصر تعيش أزهي عصور الديمقراطية. لم يطلب أحد من الرجل أن يرفع ضغطنا، ويخرج لنا لسانه، بعد حصوله للمرة المليون علي ثقة الرئيس مبارك.. ولم يمنح أحد منا صفوت الشريف «توكيلاً رسمياً»، أو حتي شفوياً، بأن يتحدث باسم مصر كلها، ويصدر حكماً قاطعاً بأننا نرفل في الديمقراطية التي «ساحت»، وفاضت علي الدنيا بأسرها.. ولم نسلمه «مازورة» كي يقيس عليها الديمقراطية المصرية، ليجزم بأنها «الأزهي» في عهد الرئيس مبارك . كان بمقدور الشريف أن يرد للرئيس هذه اللفتة الكريمة، وتلك الثقة الغالية والمتكررة، والدائمة، بأن يشكره باسمه علي تعيينه عضواً ثم رئيساً لمجلس الشوري.. ولكن الرجل قال حرفياً: «إن مصر تعيش، في عهد الرئيس حسني مبارك، أزهي عصور الديمقراطية، التي تؤكد سيادة الشعب، في ظل احترام الدستور وسيادة القانون، تحت القيادة الحكيمة للرئيس، الذي أوفي بعهده للشعب في برنامجه الانتخابي بتحقيق الإصلاح السياسي الشامل».لا أعرف كيف ستتحمل مصر كل هؤلاء المتحدثين باسمها.. فبعد أن ترك المواطنون صناديق الانتخابات - بكل أصنافها وأنواعها - للحزب الوطني، يفعل فيها ما يشاء.. بات علينا أن نقرأ كل يوم تصريحاً لأحد رموز النظام الحاكم، بأننا حصلنا علي منح لا نستحقها من الرئيس: ديمقراطية زاهية، ناصعة، تسر الناظرين، و«نعاير» بها الأمم.. اقتصاداً منتعشاً ورفاهية غير محدودة.. فرص عمل لا تجد من يشغلها.. شوارع نظيفة ومرافق وخدمات في كل البيوت.. شفافية ونزاهة وطهارة يد في جميع المواقع.. ومكانة دولية وإقليمية، تضع مصر في موقع القيادة. منطق صفوت الشريف يذكرني بمقولة فنان، معروف بخفة الدم، حين جمعته مائدة واحدة في حفل رسمي مع عدد من الصحفيين والكتاب والسياسيين.. فعندما اشتد النقاش بينهم وعلا صوت المعارضة.. صرخ في الجميع قائلاً: «والله.. إنتم شعب مفتري.. مش عاجبكم أي حاجة.. الحزب الوطني مقطع نفسه علشانكم وبرضه مش عاجبكم.. والله إحنا لا نستحق هذا الحزب.. المشكلة فينا مش في الحكام.. إحنا شعب مش عارف يتحكم كويس»! هكذا.. يرانا الشريف أيضاً.. شعباً ينعم بديمقراطية غير مسبوقة، ومع ذلك يصرخ، ويعترض.. شعباً لا يستحق حكامه، ولا يعرف قيمتهم.. فلولاهم لضاع في «الوبا»، وعاني المجاعة، وألهب ظهره «كرباج القهر والذل».. يكفي أننا نعيش.. نأكل القمح المسرطن، ونشرب ماءً ملوثاً، فنموت فرادي وجماعات بالفشل الكبدي والكلوي.. ليس مهماً.. ندخل السجون بقرارات الاعتقال وحالة الطوارئ.. عادي.. زمرة من المنتفعين والمتسلقين يحتلون كل المواقع.. حقهم، لأنه بلدهم، وليس بلدنا.. الفساد بات أقوي من القانون، وصاغ لنفسه قوانين حاكمة، وضامنة، ومانعة للمحاسبة.. مفيش مشكلة ! ولا يعرف السيد صفوت الشريف، علي ما يبدو، أن الديمقراطية التي يتحدث عنها هي «اختراع» متفرد للنظام الحاكم في مصر.. إذ يغيب عنها المبدأ الأول في كل الديمقراطيات، وهو «تداول السلطة».. وليقل لي: كيف يضمن الدستور والقانون تداولاً، ولو محدوداً، للسلطة في البلد، في ظل إصرار النظام علي عدم تعديل المادة (٧٧) من الدستور، التي تطلق مدد الرئاسة مدي الحياة؟.. وليقل لي أيضاً أي ديمقراطية تلك التي تتجسد بالصوت والصورة في الانتخابات: تسويد بطاقات وتزوير علني.. بلطجة وشراء أصوات.. وطبخ القوانين في البرلمان ضد إرادة الشعب ! ليقل لي صفوت الشريف: هل تستوي الديمقراطية، بعصرها الزاهي الناصع، مع تعذيب المواطنين في أقسام الشرطة والسجون، وانتهاكات حقوق الإنسان، التي رصدتها جميع التقارير الداخلية والخارجية.. هل تستوي الديمقراطية، التي يعايرنا بها الشريف، مع سيطرة الحزب الوطني علي الحياة الحزبية، وحجب كل القوي السياسية الأخري، وزواج السلطة والمال داخل الحزب، الذي يحكم ويتحكم ويقمع ويمنح ويمنع ؟ ! سؤال أخير للسيد صفوت الشريف: ماذا كان سيحدث لنا، لو لم نكن نعيش في «أزهي عصور الديمقراطية»؟
المقال التالى للأستاذ مجدى هو ردود فعل القراء وهو بعنوان
جريمة «أزهي»! بقلم مجدى الجلاد ٢٦/٦/٢٠٠٧
لم أتخيل أن ينكأ مقالي هنا، أمس، كل هذه الجروح لدي «الشرفاء» في هذا البلد.. ولم أقصد أن أفجر كل هذا الغضب في القلوب، والغصة في الحلوق.. ولكنني ـ مثلكم تماماً ـ شعرت بالامتهان والضآلة حين قرأت تصريح السيد صفوت الشريف: «إننا نعيش أزهي عصور الديمقراطية».. شعرت أنني أحد أفراد «قطيع» من الساذجين الذين أدمنوا الصمت علي «الخداع العلني».. شعرت أنني أمارس الخيانة الصريحة لهذا الوطن، وأننا لن نتقدم خطوة واحدة للأمام في ظل الرضوخ والصمت تجاه هذا «الخطاب الرسمي الخادع» . تلقيت أمس اتصالات ورسائل كثيرة.. أغلبها غاضب وحانق من هذا التصريح المستفز.. وبعضها يطالب الرئيس مبارك بالتدخل لوقف هذه التصريحات، التي تحمل «إهانة» بالغة للشعب المصري . حامد عثمان ـ مهندس ـ صرخ في الهاتف، ولم أستطع إيقاف موجة الغضب التي استولت عليه متي يعلم هؤلاء أن الشعب المصري لم يعد عبيطاً أو في مرحلة الرضاعة.. لقد بلغنا مرحلة الرشد.. وفي اعتقادي أن الرد علي صفوت الشريف لابد أن يكون بمحاكمته شعبياً في نقابة المحامين، وذلك حتي لا يتكرر هذا التصريح علي لسان أي مسؤول في الدولة». * «... ... ..... .. وكيلة وزارة ـ طلبت عدم ذكر اسمها، والسبب معروف طبعاً ـ قالت: «لماذا أغضبك هذا التصريح من صفوت الشريف.. أليس هو صاحب شعار الريادة الإعلامية، في وقت كنا نفقد فيه صلتنا بالإعلام الحديث تدريجياً.. ألم تسحب الفضائيات العربية البساط من تحت أقدامنا بعد أن حبسنا الإعلام المصري علي مدي سنوات طويلة في جيب النظام الحاكم والحزب الوطني.. لماذا تتكلمون الآن بعد صمت وخضوع طويل حتي ضاع البلد؟! والآن يقولون لنا احمدوا ربنا، لأنكم تعيشون أزهي عصور الديمقراطية، وتنعمون بالرفاهية التي لم تتحقق لأوروبا وأمريكا، إنها كارثة لا يصمت عليها إلا شعب لا يستحق الحياة». < أسامة حسن ـ مدرس لغة عربية ـ لم يغضب فقط.. ولم يشعر بالإهانة فحسب.. وإنما أخذ التصريح التاريخي وغاص به في «لسان العرب لابن منظور» وكتب التالي : يا أستاذ مجدي.. المفارقة المحزنة في تصريح صفوت الشريف لا تتعلق فقط بمسألة الديمقراطية التي ساحت وفاضت علينا، كما كتبت في مقالك الموجع أمس.. فالكارثة الحقيقية في كلمة (أزهي).. لذلك سأحيلك إلي أصلها اللغوي في المعجم بعد البحث الشامل: الزهو هو الكِبْر والفخر والعظمة.. فلان مزهو بنفسه ـ أي معجب.. فلان زها/ يزهو/ زهواً ـ أي تكبر.. زها النبتُ ـ يزهي ـ زهواً: حَسُنَ.. أزهي النخل: تلون بحمرة وصفرة (دلالة علي الحُسنْ والاستواء).. وأزهي اسم تفضيل.. فلان أزهي من فلان (أي أحسن).. عصر أزهي من عصر (أحسن وأشد وأقوي).. وفي ذلك يقول الأحمر النحوي ليهجو العُتبي والفيض بن عبدالحميد: لنا صاحب مولع بالخلاف كثير الخَطاء قليل الصواب ألجُّ لجاجاً من الخنفساء وأزهي إذا ما مشي من غراب **انتهت رسالة أسامة الرائعة.. وفي ظني الشخصي أن صفوت الشريف لم يرجع إلي «لسان العرب»، قبل استخدام لفظ «أزهي».. وإلا لوصف «الديمقراطية» التي نعيشها بكلمة أخري.. أعد قراءة البيت الأخير من هذا المقطع الشعري، لتعرف أن «أسامة» علي حق!
|