
المولى : بقلم خيرى رمضان ٣ / ء 6/ ٢٠٠٧ جريدة المصرى اليوم
فليهنأ هذا المجتمع، ولينم قرير العين، مرتاح الضمير، بعد أن لعن هذا الأب، الذي تخلص من آدميته وكل مشاعر الرحمة والإنسانية- كما وصفته الصحف الصادرة صباح الجمعة- لأنه عاطل فشل في توفير الطعام لطفلته الصغيرة الوحيدة، التي لم تكمل عامها الثالث ، فأغرقها وهي نائمة في إناء به ماء، ثم لفها في قماش أخضر وترك في حضنها «سبحة» وصافرة معدنية، حتي تلهو بها في الجنة، ثم صلي عليها وألقي عليها نظرة الوداع الأخيرة، ليخبر بعدها زوجته بجريمته ففقدت صوابها واستغاثت بالجيران في حدائق القبة ليوسعوه ضربا وركلا. اشربوا جميعا نخب السعادة والأمان، بعد أن يصدر القاضي العادل حكمه بإعدام هذا العاطل، الذي لم ينتظر برنامج السيد الرئيس الانتخابي، ولم يفهم أن سيادته شخصيا يعلن كل يوم في الصحف اهتمامه بمحدودي الدخل، بل بمعدومي الدخل ، ألم يقل وزير الإسكان ورئيس الوزراء إنهما سيوفران مساكن لمعدومي الدخل؟ لماذا تعجل هذا الوحش قضاء الله، وينتظر موته وموت طفلته جوعا ومرضا؟ هل يحاول إقناعنا بأنه كان يتألم أمام بكائها، وهي تستجديه أن يأتي لها بالطعام ؟ هذا الفقير المعدم، هل كان حساسا إلي هذا الحد، فشعر بأنه عاجز وليس إنسانا، فقرر أن يريح طفلته البريئة ويحملها شكواه من ظلم المجتمع - كما يعتقد - إلي الله، لعله يغفر له ويوفر لها في الآخرة حياة أكرم من الذل والمهانة والحرام التي عاشتها منذ ميلادها ؟ لا تقولوا لنا إنه كان يقرأ الصحف، وصدمته أنباء سرقات المليارات من دم هذا الشعب، ولا إنه عرف أن مصر ستدفع ٥٠ مليون دولار غرامة، لأنها وقعت عقدا مغرضا مع شركات أجنبية في شرم الشيخ، وأنها ستدفع أكثر من هذا المبلغ، بسبب عقد السيد المغربي ببيع أرض ميدان التحرير بسعر بخس، فيما كان هو يحتاج إلي ٢٠ دولارا شهريا كي يعيش هو وطفلته . أيعتقد هذا المتوحش أننا سنصدق حبه لابنته أكثر من نفسه؟ لماذا لم ينتحر مثل الشبا الثلاثة الذين أصابهم الإحباط واليأس بسبب عدم عثورهم علي عمل ؟ هم أيضا جهلاء، لم ينتظروا ذهب سامح فهمي، ولا وظائف عائشة عبدالهادي، ولم يفهموا مغزي وجود فائض في الميزانية، واستقرار السوق المصرفية . إنني أناشد مجمع البحوث الإسلامية أن يعقد اجتماعا عاجلا، وهو يناقش قضايانا الحيوية من شرب البول إلي إرضاع الكبير، يعلن فيه أن هؤلاء المنتحرين والقتلة في النار، لأنهم يئسوا من رحمة الله، وأن السادة المسؤولين أبرياء، ولم يدخروا وسعا في سرقة هذا البلد من أجل رفعته، وأن هؤلاء الشباب، لو انتظروا قليلا، لالتحقوا بوظائف حكومية واستمتعوا بالرضاعة الحلال من زميلاتهم في العمل .. وأناشد التليفزيون المصري أن يناشد الشباب العاطل بعد صدور الفتوي -طبعا- الذي يفكر في الانتحار، أن يسارعوا بشرب بول أحد كبار المسؤولين حتي يحرم جسدهم علي النار . لا أعرف، ولا أفهم، كيف ينام مسؤول في هذا البلد، وهو يري رجلا يقتل طفلته فقرا، وشبابا ينتحرون يأسا، إلا إذا كان قد مات قلبه وضميره ! لا يوجد ما يقال بعد ما قاله الأستاذ خيرى رمضان . ء |